أن تقرأ بصوت عال
ينصح بعض خبراء القراءة السريعة بالقراءة الصامتة وعدم تلفظ الكلمات حتى بصوت منخفض، وذلك من أجل زيادة سرعة القراءة، ومن ثم قراءة أكبر عدد من الكتب. لكنّ هناك فريقاً آخر ينصح بالقراءة الجهرية، ولكن لأسباب أخرى وأهداف مختلفة عما يسمى القراءة السريعة، وتتمثل - كما يقولون - في أن الإنسان يتذكر المعلومات التي ينطقها بصوت مرتفع أثناء تعلمها بشكل أفضل مقارنة بقراءتها بصمت. ويرى هؤلاء أن السبب في ذلك أن الكلمة المنطوقة تعالج بتأثير مزدوج «سمعيّ وبصريّ معًا»، وهو ما يؤدي إلى انتباه وتركيز أكبر، ومن ثم احتمالية أكبر للفهم، في مقابل المعالجة البصرية فقط للكلمة المقروءة بصمت. هذا علاوة على أن القراءة المنطوقة تجعل التعلم أكثر نشاطًا وتفاعلية.
لكن السائد حاليًّا من القراءة عند غالبية الناس «ويراه البعض مشكلة» هو القراءة الصامتة، وكأن الناس يقرؤون في مكتبة عامة، حتى حينما يكون الشخص جالسًا بمفرده، وأصبحت القراءة الجهرية مقتصرة في الغالب على الأطفال أو لهم. وقد يستعين بها البعض حينما يصعب عليه فهم جملة أو فقرة حيث يقرؤها جهرًا لكي يفهمها، لكنه يفعل ذلك لاإراديًّا ربما دون أن يشعر بأنه يفهمها أفضل حينما يرفع صوته.
وقد أسميت هذه الظاهرة في أبحاث الذاكرة في علم النفس المعرفي «تأثير الإنتاج» «The production effect» وذلك لأن هذا العمل يعني إنتاج الكلمات المكتوبة على شكل صوت لكي تأخذ مكانها في الذاكرة وتثبت هناك. وقد ظهر هذا المصطلح أول مرة عام 2010 في دراسة نشرتها مجلة «Memory»، واشترك فيها كل من كولين ماكليود وستايسي غوبي من جامعة واترلو في كندا.
ويساعد رفع الصوت على الاستماع إلى إيقاع وسلاسة النص، كما يبعث على البهجة والطمأنينة، وإضافة إلى ذلك فإن القراءة الجماعية قد تنمي شعور الانتماء، وهو ما يحصل بالفعل حين قراءة بعض الأناشيد الوطنية أو الحماسية «جهريًّا وجماعيًّا»، حيث يمكنها أن تقوي وتنمي العلاقات بين المشاركين. وحتى في قراءة بعض الأدعية الدينية يشعر البعض بخشوع وتأثير أكبر حين يقرؤونها بصوت مسموع.
ومن إيجابيات القراءة بصوت مسموع «حتى لو كانت بصوت خافت أو حتى مجرد تحريك الشفتين» أنها لا تسمح لك - في الغالب - بتجاوز كلمة لا تفهمها، أو لا تعرف طريقة نطقها، في حين يحدث ذلك دائمًا عند القراءة الصامتة، كما تشجع على استخدام بعض الإيماءات وتعابير الوجه أثناء القراءة لزيادة التفاعل من قبل القارئ والمستمع.
ويقال إن القراءة عند البشر قديمًا كانت جهرية في الأصل، حيث تدل الكتابة على الألواح الطينية في الحضارات القديمة أنها كانت تعادل «الاستماع» إليها، أما قراءتها بصمت فلم يكن ذلك يذكر إلا قليلًا، وكان يسمى النظر في الألواح.
وختامًا فإن القراءة بصوت عال تساعد على تخفيف التوتر والقلق؛ نتيجة قدرتها على إحداث تشتيت ذهني لما يمر به القارئ، كما قد تساعد على اكتساب القدرة على الخطابة في حال المداومة عليها.







